٢٠١٠/٠٣/٢٨

لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر




قال تعالى:
{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } [الأحزاب: 21].


ففي رجاء الله واليوم الآخر يتسامى الإنسان فوق هذه الحياة الفانية،
فتمر همومها حوله ولا تصدمه،
إذ هي في الحقيقة تجري من تحته فكأنّ لا سلطان لها عليه،

وهذه الهموم تجد في مثل هذه النفس قوىً بالغةً تصرفها كيف شاءت،
فلا يجيء الهمُّ قوةً تستحق ضعفا،
بل قوة تمتحن قوة أخرى أو تثيرها لتكون عملا ظاهرا يقلده الناس وينتفعون منه بالأسوة الحسنة,
والأسوة وحدها هي علم الحياة.
وقد ترى الفقير من الناس تحسبه مسكينا،
وهو في حقيقته أستاذ من أكبر الأساتيذ يلقي على الناس دروس نفسه القوية.


وفي رجاء الله واليوم الآخر يبطل أكبر أسباب الشر في الناس،
وهو نظر الإنسان لمن هو أحظى منه بفتنة الدنيا نظرا لا يبعث إلا الحقد والسخط ,
فينظر المؤمن حينئذ إلى ما في الناس من الخبر والصلاح والإيمان والحق والفضيلة,
وهذه بطبيعتها لا تبعث إلا السرور والغبطة،
ومن جعلها في تفكيره أبطل أكثر الدنيا من تفكيره،
وبها تسقط الفروق بين الناس عاليهم ونازلهم،
كالرجل الفقير العالِم إذا قدم على الغني العالِم؛
جمع بينهما الاتفاق العقلي وسقط ما عداه.


وفي رجاء الله واليوم الآخر يعيش الإنسان عمره الطويل أو القصير كأنه في يوم ,
يصبح منه غاديا على الحشر والحساب؛

فهو متصل بالخلود , غيرُ معنيٍّ إلا بأسبابه،
وبهذا تكون أمراضه وآلامه، ومصائبه ليست مكاره من الدنيا،
بل هي تلك المكاره التي حفت الجنة بها؛
ولا يضره الحرمان لأنه قريب الزوال، ولا يغره المتاع لأنه قريب الزوال أيضا.


وفي رجاء الله واليوم الآخر يسود الإنسان على نفسه،
ومن كان سيِّد نفسه كان سيد ما حولها يُصَرِّفُهُ بحكمه،
ومن كان عَبْدَ نفسهِ صرفهُ بحكمه كلُ ما حوله.


.................

من روائع شيخ الأدباء : مصطفى صادق الرافعي ....
... وحي القلم - انتحار .


هناك تعليق واحد:

  1. بارك الله فيك ياتيمى
    ونفعنا وإياكم بما نقرأ
    ونعلم.وهكذا إذا ما تعالت
    الغاية قر من دونها المتاعب
    فلو أن الجنة هى مبتغانا سهل
    علينا تحمل وعر الطريق.

    ردحذف

الدرر السنية - البحث في الأحاديث



بحث عن: